بناء الدولة الحديثة في المغرب الكبير والمشرق العربي شهدت المنطقة العربية إقامة العديد من الأنظمة السياسية، التي تنوعت ما بين ملكية وجمهورية ودستورية وأنظمة أخرى تمزج بين أكثر من نظام في ذات الوقت، ومن بين تلك الأنظمة المختلفة، فإن النظام السياسي في المملكة المغربية، له طبيعة خاصة به لا تتوافر في غيره من الأنظمة، إذ يتميز بأنه من أكثر الأنظمة السياسية التي شهدتها منطقتنا في العصر الحديث وضوحًا، من حيث تقاسم الاختصاصات والصلاحيات.
مميزات النظام السياسي في المغرب
ويعود ذلك إلى أن النظام السياسي في المغرب ليس وليد اليوم، إنما هو نتاج تراث سياسي متراكم ومتطور على مدار أكثر من اثني عشر قرنًا من الزمان، فلقد بدأت دعائمه الأساسية مع بداية الحكم الإسلامي في المملكة المغربية، واستمرت حتى يومنا هذا، ولقد شهد المغرب خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة، العديد من الأحداث السياسية والعسكرية والاجتماعية، التي كان لها دور بشكل أو بآخر في صقل هذا النظام ليستقر على شكله الحالي، وإن كان يشهد ظاهرة تعدد العصبيات والقبلية التي حكمت المملكة في بعض الأزمان، وتنافس الأسر الحاكمة، إلا إن كل هذا لم يؤثر في الصبغة الإسلامية التي يتميز بها نظام الدولة المغربية، بالإضافة إلى ذلك المزيج الخاص من الإشعاع الثقافي والفكري، الذي تتميز به الحضارة المغربية، ويعكس ما تكنه من انتماء إلى الحضارة الإسلامية، مهما مر عليها من عوامل سياسية واجتماعية وثقافية على مر العصور.سر التلاحم بين العرش والشعب في المغرب
ورغم ما شهده المغرب على مر عصوره من تغيرات في الأسر الحاكمة، إلا أن جميعها قد اتسمت بأنها كانت امتدادًا للأسر السابقة لها، ونبراسًا للأسرة التالية لها، ولعل هذا هو سر الشعور الذي ينتاب المواطن المغربي دومًا، بأنه من المهم جدًا لمصلحة هذا الوطن أن يحدث تلاحم ما بين العرش والشعب، فذلك أحد الدعائم الأساسية لقدرة المملكة المغربية على التصدي لكافة الأخطار الخارجية، التي واجهتها على مدار الأزمنة المختلفة، وهي كما نعلم كانت أخطار مستمرة ومتلاحقة كما أنها كانت قاسية جدًا، ومن كثرة ما واجهته المملكة المغربية من أخطار في سنوات عمرها الممتدة، أصبحت – عرشًا وشعبًا - قادرة على الصمود، بصورة لما تتوفر للعديد من البلدان والشعوب، كما أن المغرب صار قادرًا في كل زمان على أن يبرز هذا التلاحم غير المسبوق ما بين العرش والشعب، والذي يظهر دومًا كلما حدث موقف يستدعي أن تبرز أمامه وحدة الصف الوطني في المملكة. ولقد كان هذا التلاحم بين العرش والشعب السائد على مر العصور في المملكة المغربية، هو في حد ذاته ظاهرة حضارية، تدل بكل وضوح على عمق التواصل بين أجيال الشعب المغربي المتعاقبة، ويكشف عن شعور الشعب المغربي تجاه ملكه، فهو يعتبره رمزًا لوجوده وكبريائه، كما أنه يعتبر أن الملك هو في الحقيقة امتداد للوجود المغربي، ولو أردنا أن نحلل تلك الظاهرة التي ينفرد بها المجتمع المغربي، لقلنا أن هذا التلاحم بين الشعب والعرش إنما يعود إلى عدد من العوامل والموروثات ويمكننا أن ننجزها فيما يلي:1 - الطبيعة الدينية: لا شك في أن الطبيعة الدينية للمغرب تعد من أهم ما يتميز به النظام السياسي في المملكة، ويتفرد به عن غيره من النظم، فالمملكة المغربية هي في الأساس دولة إسلامية، ومن هذا المنطلق أثرت الطبيعة الإسلامية في نظام الحكم المغربي.
2 - الإرث التاريخي: على مدار التاريخ المغربي، أثبتت الأسر الحاكمة في المملكة المغربية أنها تعمل دائمًا على مصلحة الوطن، ومن هذا المنطلق النفسي بثقة الشعب في الحاكم، واطمئنانًا لحب ملوكهم للمغرب، زاد التلاحم ما بين الشعب والعرش.
3 - الالتزام بمبدأ البيعة: كما قلنا في الأسطر السابقة، فإن المملكة المغربية تستمد أسس الحكم فيها من الشريعة الإسلامية، ومن هذا المنطلق تقوم العلاقة بين العرش والشعب على مبدأ البيعة، والبيعة كما نعلم، هي مصطلح إسلامي يشير إلى هذا العقد والعهد الذي يتم بين بين الحاكم والمحكوم، وفيه يقر الحاكم ويتعهد بتنفيذ أحكام الله، وأن يكون أساس حكمه قائمًا على العدل بين الرعية، والذين من جانبهم يتعهدون بالطاعة والنصرة، ويمثل الأمة في هذه البيعة أهل الحل والعقد.
4 - قنوات الاتصال المباشر: لا يمكن أن يكون نظام الحكم مستمدًا من الشريعة الإسلامية ما لم يكن هناك اتصال مباشر ما بين الحاكم والرعية، هكذا كان الأمر في عهد الخلفاء الراشدين، وأمراء المؤمنين ورموز الحضارة الإسلامية، وهكذا هو الحال في المملكة المغربية، فمن بين أهم مميزات النظام السياسي بالمغرب، أن قنوات الاتصال التي تربط ما بين العرش والشعب تتميز بكونها عميقة وقوية وسريعة، فالملك أقرب ما يكون من نبض ومشاعر الشعب، ولذلك فإننا نلاحظ دومًا أن القرار السياسي الصادر عن عرش المملكة المغربية يعبر دومًا عن الإرادة الشعبية، ويجسد آمال السواد الأعظم من الشعب المغربي.
تعليقات
إرسال تعليق
ما رأيك بالموضوع الذي قرأته للتو